في ظل التطورات الأخيرة التي شهدتها قضية الصحراء المغربية، جاء تأكيد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو على دعم الولايات المتحدة لمخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل “عادل ودائم” للنزاع، ليعزز من مكانة المغرب الدبلوماسية ويؤكد الزخم الدولي المتزايد لصالح موقفه. هذا التأكيد، الصادر عن قوة عظمى بحجم أمريكا، لم يكن مجرد تصريح عابر، بل رسالة واضحة تعكس تحولا استراتيجيا في الموقف الدولي، يضع الجزائر ونظامها العسكري في موقف لا يحسد عليه.

ردت الجزائر على هذا التأكيد ببيان رسمي من وزارة خارجيتها، عبرت فيه عن “أسفها” للموقف الأمريكي، مكتفية بتسجيل ملاحظاتها دون أي خطوة عملية أو تصعيد دبلوماسي ملموس. هذا الرد، الذي يمكن وصفه بالمحتشم إلى درجة الإحراج، يكشف عن عجز النظام الجزائري عن مواجهة الضغوط الدولية المتفاقمة. ففي الوقت الذي كان يُنتظر من “الكابرانات” – كما يُطلق على الجنرالات الحاكمين في قصر المرادية – أن يطلقوا حملة استنكار صاخبة أو يستدعوا السفير الأمريكي، اختاروا الصمت العملي المغلف بعبارات دبلوماسية باهتة. هذا السلوك يعكس تناقضا صارخا مع خطابهم المعتاد المتشدق بـ”دعم قضايا التحرر”، حيث بدا واضحا أن الجزائر تتجنب أي مواجهة مباشرة مع واشنطن، خشية تبعات اقتصادية أو سياسية قد تهدد استقرار نظامها الهش.

من الناحية السياسية، يبرز هذا الرد المثير للسخرية كدليل على تراجع نفوذ الجزائر في الساحة الدولية. فبينما ينجح المغرب في حشد تأييد دول كبرى مثل الولايات المتحدة، فرنسا، وإسبانيا، تجد الجزائر نفسها محاصرة في ركن ضيق، تعتمد على تحالفات متداعية مع أنظمة مثل روسيا، التي باتت منشغلة بأزماتها الداخلية والخارجية. إن غياب أي استراتيجية جزائرية واضحة لمواجهة هذا التحول يعكس فشل “الكابرانات” في قراءة الواقع الدولي الجديد، حيث أصبحت قضية الصحراء تنحصر أكثر فأكثر في إطار الحل المغربي.

على الصعيد الاجتماعي، يعزز هذا التأكيد الأمريكي من تماسك الشعب المغربي حول قضيته الوطنية. فالصحراء، بالنسبة للمغاربة، ليست مجرد مسألة جغرافية، بل رمز للوحدة الترابية والكرامة الوطنية. تصريحات روبيو، التي تأتي استكمالا للاعتراف الأمريكي الرسمي عام 2020، أثارت موجة فخر واعتزاز في الأوساط الشعبية المغربية، تعكس ثقة متزايدة في الدبلوماسية الملكية التي قادت هذا الملف بحنكة وصبر استراتيجي.

في المقابل، يعيش الشعب الجزائري حالة من الإحباط المتصاعد جراء سياسات نظامه العسكري. فبينما يُنفق الكابرانات مليارات الدولارات من عائدات الغاز على دعم جبهة البوليساريو وشراء ذمم دول صغيرة، يعاني المواطن الجزائري من تدهور الأوضاع المعيشية، ارتفاع الأسعار، وانعدام الآفاق. رد الجزائر المحتشم على أمريكا، والذي لم يتجاوز حدود البيانات الورقية، يعكس هذا الانفصام بين النظام وتطلعات شعبه. فالشعب الجزائري، الذي طالما تغذى بخطاب “الثورة” و”المقاومة”، يرى الآن كيف يتحول هذا الخطاب إلى مجرد قناع يخفي ضعف النظام وعجزه أمام القوى الكبرى.

يمكن القول إن هذا التطور يؤكد تفوق المقاربة المغربية الواقعية على الخطاب الجزائري المتسم بالعناد والأوهام. المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، قدم حلا عمليا عبر مخطط الحكم الذاتي، يحظى اليوم بقبول دولي واسع، بينما يصر الكابرانات على دعم كيان وهمي مثل “البوليساريو”، لا يملك أي شرعية أو قدرة على فرض نفسه. رد الجزائر المثير للسخرية، الذي اكتفى بالتعبير عن “الأسف” دون أي فعل ملموس، يكشف عن عمق الأزمة التي يعيشها النظام العسكري، الذي يفضل الانكماش في زاوية الصمت بدلا من مواجهة الحقيقة.

في الختام، يمثل تأكيد ماركو روبيو انتصارا جديدا للمغرب في معركته الدبلوماسية، بينما يعكس الرد الجزائري المحتشم حالة من التخبط والضعف لنظام فقد زمام المبادرة. المغرب يمضي قدما نحو تثبيت سيادته على صحرائه، مدعوما بتحالفات قوية، فيما تبقى الجزائر رهينة لسياسات عسكرية عفا عليها الزمن، تثير السخرية أكثر مما تحظى بالاحترام.