يواصل النظام العسكري الجزائري، أو ما يُعرف بـ”الكابرانات”، التمسك بمصطلح “حق تقرير المصير” في محاولة يائسة لدعم كيان وهمي يسمى “الجمهورية الصحراوية”، مستنداً إلى تأويل متكرر ومغلوط للقرار الأممي 1514. هذا الخطاب، الذي يعكس فشل النظام وتخلفه السياسي، يستمد جذوره من أوهام الشيوعية في الستينيات والسبعينيات، في وقت تجاوز فيه العالم، بما في ذلك الأمم المتحدة، هذه المصطلحات البالية. في المقابل، يبرز المغرب كصوت للواقعية والتنمية، مدافعاً عن سيادته التاريخية والشرعية على الصحراء المغربية، التي تظل جزءاً لا يتجزأ من هويته ومستقبله. في هذا التحليل، نسلط الضوء على أبعاد هذا الصراع سياسياً واجتماعياً وتاريخياً، مؤكدين أن الصحراء مغربية بالحق والواقع.
التحليل التاريخي:
الصحراء المغربية ليست مجرد إقليم جغرافي، بل هي امتداد طبيعي وتاريخي للمملكة المغربية. منذ عصور الدولة المرابطية والموحدية، كانت القبائل الصحراوية مرتبطة بالسلطة المركزية في المغرب عبر روابط البيعة والولاء. هذه العلاقة العضوية استمرت حتى في ظل الاستعمار الإسباني للصحراء (1884-1975)، الذي لم يكن سوى احتلال مؤقت لم ينفِ الحقائق التاريخية. قرار محكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر 1975 أكد وجود هذه الروابط القانونية والتاريخية بين الصحراء والمغرب، مما يعزز شرعية المطالبة المغربية.
عندما استعاد المغرب استقلاله من فرنسا عام 1956، بدأ في مسار استعادة وحدته الترابية، وكانت المسيرة الخضراء في نوفمبر 1975 تتويجاً لهذا المسار. تلك الملحمة الشعبية السلمية، التي شارك فيها 350 ألف مغربي، أثبتت أن الصحراء ليست قضية حكومة فقط، بل قضية شعب بأكمله يدافع عن أرضه. في المقابل، ظهر النظام العسكري الجزائري في الستينيات كداعم لجبهة البوليساريو، ليس بدافع مبدئي، بل كجزء من استراتيجية توسعية تهدف إلى إضعاف المغرب وخلق واجهة بحرية على الأطلسي عبر كيان موالٍ له.
النظام الجزائري، الذي تبنى الأيديولوجيا الشيوعية في تلك الحقبة تحت تأثير الحرب الباردة، استغل مصطلح “حق تقرير المصير” الذي كان يُستخدم آنذاك لدعم حركات التحرر من الاستعمار الأوروبي. لكن استخدامه في سياق الصحراء المغربية كان تحريفاً متعمداً، لأن الصحراء لم تكن مستعمرة أجنبية بحلول السبعينيات، بل إقليماً استعاده المغرب من الاستعمار الإسباني بشكل قانوني.
التحليل السياسي:
استمرار النظام العسكري الجزائري في التمسك بمصطلح “حق تقرير المصير” في تأويل متكرر للقرار الأممي 1514 (الصادر في 14 ديسمبر 1960) يكشف عن فشله السياسي وجموده الفكري. هذا القرار كان موجهاً لتفكيك الإمبراطوريات الاستعمارية، وليس لخلق كيانات انفصالية داخل دول ذات سيادة. الصحراء المغربية، كجزء من المغرب، لا تندرج تحت هذا السياق، وهو ما أدركته الأمم المتحدة تدريجياً. في الواقع، القرارات الأممية الحديثة، مثل القرار 2703 (2023)، لم تعد تشير إلى “تقرير المصير”، بل تدعو إلى حل سياسي “واقعي وعملي ودائم”، وهو ما يتماشى مع مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب في 2007.
هذه المبادرة المغربية، التي تحظى بدعم واسع من دول مثل الولايات المتحدة (التي اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء في 2020)، فرنسا، إسبانيا، وأغلبية الدول الأفريقية والعربية، تُظهر رؤية المغرب الحديثة والعملية لتسوية النزاع. في المقابل، يواصل النظام الجزائري التمسك بخطاب عفا عليه الزمن، مما يعزز عزلته الدبلوماسية. “الجمهورية الصحراوية” التي يدعمها ليست سوى كيان وهمي، لا يعترف به إلا عدد قليل من الدول، ولا يملك أي مقومات السيادة الحقيقية مثل السكان المستقلين أو الاقتصاد الذاتي.
النظام الجزائري، الذي يعيش على إرث الشيوعية المنهارة في الستينيات والسبعينيات، يحاول إحياء هذا المصطلح لتبرير تدخله في شؤون المغرب، لكن هذا الخطاب لم يعد مقنعاً حتى للمجتمع الدولي. الأمم المتحدة نفسها تخلت عن هذه الصيغة في سياق الصحراء، مما يجعل موقف الجزائر مجرد صوت نشاز في عالم تجاوز تلك الحقبة.
التحليل الاجتماعي:
من الناحية الاجتماعية، يعكس تمسك الكابرانات بهذا الخطاب محاولة يائسة للتغطية على فشلهم الداخلي. الجزائر، رغم ثرواتها الهائلة من النفط والغاز، تعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة: البطالة مرتفعة، الشباب محبط، والخدمات الأساسية تتدهور. بدلاً من الاستثمار في شعبه، ينفق النظام مليارات الدولارات على دعم البوليساريو ومخيمات تندوف، التي تحولت إلى سجون مفتوحة يعاني فيها الصحراويون من القمع والفقر والتجنيد القسري.
في المقابل، يقدم المغرب نموذجاً مغايراً في الصحراء المغربية. منذ استرجاع الأقاليم الجنوبية، استثمر المغرب بكثافة في مشاريع تنموية ضخمة: طرق، موانئ، مستشفيات، ومدارس، مما جعل مدن مثل العيون والداخلة مراكز جذب اقتصادي واجتماعي. سكان الصحراء المغربية يتمتعون بحقوق سياسية كاملة، يشاركون في الانتخابات، ويمثلون مناطقهم في البرلمان المغربي، وهو ما يعكس اندماجهم الحقيقي في النسيج الوطني. هذا الواقع يتناقض مع الدعاية الجزائرية التي تحاول تصوير الصحراء كمنطقة “محتلة”، بينما الحقيقة أن السكان المحليين يرفضون بأغلبيتهم الساحقة أي مشروع انفصالي.
إن استمرار النظام العسكري الجزائري في استغلال مصطلح “حق تقرير المصير” في تأويل متكرر ومغلوط للقرار الأممي 1514 ليس سوى دليل على فشله السياسي والاجتماعي، وتمسكه بأوهام الشيوعية التي انتهت في القرن الماضي. هذا النظام، الذي يعيش على حساب شعبه ويصدر أزماته إلى الخارج، يحاول عبثاً إبقاء نزاع الصحراء كأداة للضغط على المغرب، لكنه يصطدم بواقع دولي يدعم السيادة المغربية والحل العملي المتمثل في الحكم الذاتي.
الصحراء المغربية، بتاريخها وشعبها وتنميتها، تثبت يوماً بعد يوم أنها جزء لا يتجزأ من المملكة. الأمم المتحدة والمجتمع الدولي قد تجاوزا مصطلحات الستينيات، وأصبح واضحاً أن الجزائر وحدها من يعيش في الماضي، بينما المغرب يبني المستقبل. الصحراء مغربية، والحقيقة التاريخية والسياسية والاجتماعية شاهدة على ذلك.