في عالم الإعلام الرقمي الذي يتيح للجميع منصة للتعبير، برز اسم هشام جيراندو كشخصية مثيرة للجدل، حيث تحول من مهاجر مغربي يعيش في كندا إلى رمز للتشهير والابتزاز عبر الإنترنت. يعتمد جيراندو على قنواته في “يوتيوب” و”تيك توك” لنشر محتوى يستهدف شخصيات ومؤسسات مغربية، محققًا أرباحًا ضخمة تصل، حسب تقديرات موقع “سوشيال بليد” الشهير، إلى أكثر من مليار سنتيم مغربي سنويًا، بل وتتجاوز في بعض الأحيان أربعة ملايين سنتيم يوميًا. لكن كيف يتمكن من جني هذه الأموال؟ وهل يمكن أن تكون هذه الأرباح مبررًا لفشله التجاري السابق ونجاحه في أنشطة خارجة عن القانون؟ في هذا المقال، نستعرض هذه الجوانب ونناقش مصير هذا الشخص المثير للجدل.
كيف يحقق جيراندو أرباحًا طائلة من التشهير؟
وفقًا لتحليلات “سوشيال بلايد”، وهو موقع متخصص في تقدير أرباح قنوات يوتيوب بناءً على عدد المشاهدات والتفاعل، فإن قناة جيراندو تحقق أرباحًا سنوية قد تصل إلى مليار سنتيم مغربي (ما يعادل حوالي 10 مليون درهم). هذه الأرقام ليست ثابتة، بل تتذبذب حسب نوعية المحتوى والهدف منه. ففي الأيام التي يستهدف فيها شخصيات بارزة مثل موظفين حكوميين أو ضباط سامين، ترتفع الأرباح بشكل ملحوظ، حيث قد تصل إلى أربعة ملايين سنتيم في اليوم الواحد. السر يكمن في استراتيجية جيراندو: استهداف شخصيات لها وزن اجتماعي أو سياسي، ونشر فيديوهات تحمل عناوين مثيرة تجذب مئات الآلاف من المشاهدات في وقت قصير.
استراتيجيته تعتمد على استغلال العناوين الصادمة مثل “فضيحة مسؤول كبير” أو “مؤامرة ضد الدولة”، مع تقديم ادعاءات غير مدعومة بأدلة ملموسة. هذه الطريقة لا تجذب فقط المشاهدين العاديين، بل تخلق ضغطًا على الضحايا الذين قد يدفعون مبالغ مالية لوقف الهجمات أو حذف الفيديوهات، مما يضيف مصدر دخل آخر لجيراندو بعيدًا عن أرباح “يوتيوب” المباشرة. هذا النمط من الابتزاز أصبح علامة مميزة لنشاطه، حيث يتحول التشهير إلى أداة للتربح المزدوج.
التشهير والأخبار الزائفة: أدوات جيراندو الرئيسية
لا يقتصر عمل جيراندو على نشر محتوى مثير للجدل فحسب، بل يعتمد بشكل كبير على الأخبار المفبركة والمعلومات الزائفة. فيديوهاته غالبًا ما تتضمن اتهامات باطلة ضد مؤسسات الدولة المغربية، كالأجهزة الأمنية أو القضائية، دون تقديم دليل واحد يدعم مزاعمه. على سبيل المثال، ادعى في إحدى المرات وجود “انقلاب مزعوم” ضد الملك، وفي أخرى تحدث عن “تعويذات سحرية” تؤثر على صحة الملك، وهي ادعاءات لا تستند إلى أي أساس واقعي، لكنها تحقق انتشارًا واسعًا بسبب طابعها الاستفزازي.
هذا السلوك لا يقتصر على مهاجمة المؤسسات، بل يشمل أفرادًا من مختلف القطاعات، سواء كانوا موظفين عاديين أو شخصيات بارزة. الهدف واضح: خلق حالة من الفوضى الإعلامية وزعزعة الثقة، مع جني أرباح مالية من هذا الاضطراب. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا النجاح المالي عبر التشهير يعكس فشلًا في مسيرته التجارية السابقة؟
فشل تجاري ونجاح غير قانوني: هل هناك علاقة؟
قبل أن يصبح جيراندو “يوتيوبر” مثيرًا للجدل، كان يدير أعمالًا تجارية في كندا، منها علامتان تجاريتان في صناعة الملابس الرجالية (“Jerando” و”Jenaro”). لكن هذه المشاريع لم تحقق النجاح المتوقع، بل ارتبطت بشبهات مالية، منها اتهامات بالنصب والاحتيال في المغرب قبل هجرته. يرى البعض أن فشله في إدارة أعمال شرعية دفعه للبحث عن مصادر دخل بديلة، وهنا وجد في التشهير والابتزاز وسيلة سهلة ومربحة.
نجاحه في هذا المجال لا يعكس براعة تجارية بقدر ما يظهر استغلالًا ذكيًا لثغرات النظام القانوني والرقمي. ففي حين عجز عن بناء إمبراطورية تجارية مستدامة، استطاع تحويل منصات التواصل الاجتماعي إلى منجم ذهب عبر أساليب غير أخلاقية وخارجة عن القانون. هذا التحول يثير تساؤلات حول دوافعه الحقيقية: هل هو مجرد رجل أعمال فاشل يسعى لتعويض خسائره، أم عميل يخدم أجندات خارجية كما يتهمه البعض؟
استغلال الجنسية الكندية ومشاكل مع القضاء
جيراندو، الذي تخلى عن جنسيته المغربية لصالح الجنسية الكندية، يستغل موقعه كمواطن كندي للهروب من ملاحقة القضاء المغربي. من كندا، يواصل هجماته على المؤسسات المغربية وموظفيها، ظنًا منه أن القوانين الكندية ستحميه. لكن هذا الوهم بدأ يتلاشى. فقد واجه بالفعل مشاكل قانونية في كندا بعد شكاوى قدمها مسؤولون مغاربة تعرضوا لتشهيره. المحكمة الكندية ألزمته بدفع تعويضات تصل إلى مليوني دولار كندي بسبب نشاطاته غير القانونية، وهو ما يضعه تحت ضغط مالي وقانوني متزايد.
نهاية المبتز: هل اقترب الحساب؟
تاريخيًا، كل شخص اعتمد على الابتزاز كوسيلة للعيش واجه نهاية مأساوية. هشام جيراندو ليس استثناءً. رغم الأرباح الضخمة التي يجنيها الآن، فإن سقوطه بات وشيكًا. الضغوط القانونية من كندا والمغرب، إلى جانب فقدان المصداقية أمام جمهوره، تجعل استمراره في هذا المسار مستحيلاً على المدى الطويل. الجمهور الذي كان يتابعه بحماس بدأ يدرك تدريجيًا زيف ادعاءاته، خاصة مع تزايد التناقضات في رواياته وكشف أكاذيبه من قبل مؤثرين آخرين.
في النهاية، لا يمكن تبرير فشله التجاري بنجاحه في الابتزاز، لأن الأخير ليس نجاحًا حقيقيًا، بل استغلال مؤقت لفوضى الإعلام الرقمي. هشام جيراندو، بكل ما حققه من أرباح، يظل رمزًا للانهيار الأخلاقي الذي يسبق السقوط القانوني. ولكل مبتز نهاية، ويبدو أن نهاية جيراندو لن تبشر بالخير، فالعدالة، وإن تأخرت، لا تغيب.