في تطور دبلوماسي لافت، أعلنت ثلاث دول إفريقية، وهي مالي والنيجر وبوركينا فاسو، قرارها بسحب سفرائها من الجزائر، متهمة إياها بـ”انتهاك السيادة” بعد حادثة إسقاط طائرة مسيرة تابعة للجيش المالي في أواخر مارس الماضي. هذا القرار، الذي جاء كرد فعل متزامن من دول تجمع الساحل، يعكس تصاعد التوترات في المنطقة ويسلط الضوء على السياسات المتهورة التي تنتهجها الجزائر تحت قيادة النظام العسكري، أو ما يُعرف شعبياً بـ”الكابرانات”، والتي باتت تشكل مصدر قلق إقليمي متزايد.
خلفية الأزمة: حادثة الطائرة المسيرة
بدأت الأزمة عندما أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية، في بداية أبريل 2025، أن قواتها أسقطت طائرة استطلاع مسيرة مسلحة انتهكت المجال الجوي للبلاد بالقرب من بلدة تين زاوتين الحدودية مع مالي. الجزائر بررت هذا التصرف بحقها في حماية سيادتها الوطنية، معتبرة أن الطائرة تشكل تهديداً أمنياً. في المقابل، أكد الجيش المالي أن الطائرة كانت تقوم بمهمة مراقبة روتينية وتحطمت دون أي دليل على نية عدائية، وهو ما دفع مالي إلى إجراء تحقيق خلص إلى أن الجزائر نفذت “عملًا عدائيًا” متعمدًا.
لم تكتفِ مالي بهذا الرد، بل تصاعد الموقف عندما انضمت النيجر وبوركينا فاسو إلى باماكو في بيان مشترك صادر عن تجمع دول الساحل، أعلنوا فيه استدعاء سفرائهم من الجزائر للتشاور، متهمين إياها بانتهاك سيادتهم وسياساتها التي تهدد استقرار المنطقة. كما أعلنت مالي انسحابها من لجنة رئاسة أركان الجيوش المشتركة مع الجزائر، في خطوة تعكس عمق الأزمة.
تهور الكابرانات: سياسة خلق المشاكل
هذا الحادث ليس مجرد نزاع عابر، بل هو انعكاس لنهج طويل الأمد تتبعه الجزائر تحت حكم الكابرانات، الذين يبدو أن هدفهم الأساسي هو تعزيز النفوذ الإقليمي عبر التدخل في شؤون الدول المجاورة ودعم الحركات الانفصالية. لقد اتهمت مالي الجزائر مرارًا بدعم جماعات مسلحة في شمال البلاد، بما في ذلك حركات الأزواد، مما أدى إلى تعقيد الأوضاع الأمنية وزعزعة الاستقرار في منطقة الساحل. هذه الاتهامات ليست جديدة، فقد سبق أن وجهت دول أخرى، بما فيها المغرب، اتهامات مماثلة للجزائر بسبب دعمها لجبهة البوليساريو، مما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 2021.
الكابرانات، الذين يسيطرون على مفاصل الدولة منذ عقود، يواصلون سياسة المواجهة بدلاً من الحوار، مفضلين تصدير الأزمات إلى الخارج لتشتيت الانتباه عن المشاكل الداخلية. ففي الوقت الذي تعاني فيه الجزائر من تحديات اقتصادية واجتماعية متفاقمة، يبدو أن النظام يجد في خلق التوترات الإقليمية وسيلة لتعزيز شرعيته المتآكلة داخليًا.
تداعيات إقليمية ودولية
قرار الدول الثلاث بسحب سفرائها يمثل ضربة دبلوماسية قوية للجزائر، التي طالما قدمت نفسها كمدافعة عن السيادة الوطنية وحركات التحرر في إفريقيا. اليوم، يبدو أن هذا الخطاب يفقد مصداقيته، حيث تتهمها دول إفريقية بنفس الانتهاكات التي تدعي معارضتها. هذا التصعيد قد يعزز عزلة الجزائر في القارة، خاصة مع تزايد الدعم الدولي لدول الساحل في مواجهة التحديات الأمنية، بما في ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة.
على الصعيد الدولي، قد يثير هذا الحدث تساؤلات حول دور الجزائر كوسيط في النزاعات الإقليمية، مثل اتفاق السلام في مالي عام 2015. فإذا كانت الجزائر تُنظر إليها كطرف يساهم في تأجيج الصراعات بدلاً من حلها، فقد تفقد موقعها كلاعب محايد في المنطقة.